الحلقة الحادية عشر
الحلقة الحادية عشر |
رابط الحلقة التاسعة: من هنارابط الحلقة الثامنة : من هنارابط قسم الروايات : الرواية
كلنا بشر .... متباينون ولكننا متساوون كلنا نتنفس الهواء وتحكمنا نفس آلية الجسد ونعيش تحت السماء وفوق الأرض ... لكنها المنح والعطايا من الله هى ما تشكل فرقا ليس فى المنح ولكن فى العطاء
فمن يُمنح فيعطى غير من يُمنح ويبخل
الشعور بفقد من نحب هو أبشع شعور فى الدنيا ... الشعور بالعجز هو أقسى المشاعر على النفس ... مشاعر قد تقتلنا ونحن أحياء .. وتحولنا الى موتى أحياء ... لا عذاب يجدى معها ولا فرح ... تنزع الحلم من عقولنا ... والرغبة من أحشائنا ... الخوف يطلق فى نفوسنا مئات الهواجس المقيتة ... يصبح كل شيئ مشوشاً ... تهيمن الشكوك ويختفى اليقين ... الخوف يطلق العنان للأفكار والتصورات السيئة ... يبتلع حدود الزمان والمكان ... ويجردنا من الأمل ويحيطنا باليأس فتتحير القلوب .. الخوف هو أعدى أعداء البشر حقيقة .
تسمرت قدماى وأنا أنظر الى السيارة الفارغة من سحر ويوسف وقفزت الى عقلى مئات التصورات التى تحمل الشؤم فى طياتها ... سامى بيه يقف بجانبى وقد لاحظ على الفور عينى المثبتة على السيارة الفارغة وهو يسألنى أين هم ؟؟نظرت اليه والوجوم يكسو ملامحى وأشرت بأصبعى نحو السيارة والكلام أنعقد على لسانى فتحرك نحو السيارة مسرعاً وأنا أهرول ببلاهة الى جانبه حتى وصلنا للسيارة ذات النوافذ المفتوحة وهو يوجه لى الأسئلة التى لم أسمع منها حرفاً واحداً فكل ما يشغلنى ويسيطر على عقلى أن مكروها قد أصابهما وتم اختطافهما ... نادى أفراد القوة الأمنية الواقفة لحراسة القسم ليسألهم ؟؟؟ وأنا رأسى تدور كالمروحة أبحث فى كل مكان حولى ... وفجأة ظهرت سحر ويوسف من الجانب الآخر للطريق وهم يعبرون الشارع وأنطلقت نحوهم بأقصى سرعتى ووصلت لهم لا أعرف كيف حتى أن سيارة كادت أن تدهسنى وسائقها يطلق السباب واللعنات على أمسكت بيدها وهى مرتاعة من منظرى ... وانفجرت فى غضب أعنفها وهى تحاول أن تجعلنى أهدأ وتحاول الشرح وأنا لا أسمع ... وشعرت بيد تربت على كتفى من الخلف ففزعت .. كان سامى بيه يحاول تهدئتى .. وسحر بدأت دمعة تنساب من بين جفنيها .. مزقتنى من داخلى .. ودون شعور ضممتها الى صدرى محاولاً ايقاف دموعها ... وسامى بيه يبتسم وهو يضع يده على كتفى ويقول مبتسماً : احنا فى الشارع كده مش كويس .. نظرت له معتذراً محاولاً شرح مقدار الخوف الذى كنت أشعر به من كونهما أختطفا وهى تبرر : يوسف كان عاوز يشرب روحنا نجيب عصير وميه ... ونظرت الى يوسف المبتسم وهو يشرب العصير وكأن شيئاً لم يكون سألتها لماذا لم تغلق النوافذ والسيارة وتركتها هكذا وتركتنى فى بئر من الهواجس ؟؟؟ أبتسمت ببساطة : المفاتيح معاك ... ونظرت الى يدى الممسكة بالمفاتيح يالى من أبله ... ابتسمت بدورى ... ألم أقل لكم أن الخوف يفقد الأنسان أبسط قواعد المنطق ويسلب التفكير .. تحركنا الى داخل القسم حيث مكتب سامى بيه .. كانت شوكت بيه فى انتظارنا فى قلق فقد تأخرنا شرحت سحر ما حدث وشوكت يرمقنى بنظرة ممتنه لا أدرى لماذا؟؟؟ وتكلم سامى ليقطع الصمت الذى ساد الغرفة لدقيقة وأخبر شوكت بما عرفه منى ونظر شوكت لى بلوم !! لكنى فوجئت بسامى يوجه كلامه لشوكت : حضرتك طبعاً أستاذنا وأنا فاهم انت متهمتش ممدوح ليه ؟؟ عشان قانونا مش هينفع تتهم اب باختطاف ابنه اللى المفروض يكون فى وصايته وتحت رعايته ... هز شوكت رأسه إيجاباً فتابع سامى : عموما الرجالة اللى اتمسكت هنعملهم محضر اعتداء عليكم وسرقة بالأكراه مش خطف تمام كده يا معالى المستشار ؟؟؟ هز شوكت رأسه فى أستسلام وشكر سامى بيه وطلب منه أنصرافنا ووقف ووقفنا ونحن فى ذهول لكننا لم ننطق بكلمة وتحركنا بالسيارة وكأن على رؤوسنا الطير وخصوصاً انا ... نحن فى مشكلة حقيقية وخطيرة فممدوح من حقه أخذ يوسف منى ... وصوت الشيخ عزيز يتردد فى عقلى كجرس أنذار .. وصلنا المنزل وفضلت الذهاب وتركهم ليرتاحوا كان الجميع واجماً ما عدا يوسف .. هل هو لا يفهم ما يدور حوله ؟؟؟ وجاءنى الرد سريعاً : متخافش .. كان هذا يوسف .. ابتسمت له وربت رأسه بحنان .. سحر تطلب منى الصعود معهم .. رفضت متعللاً بأرهاقى .. أعطيتها مفاتيح السيارة نظرت لى وهى تقول : خلى العربية معاك انا مش هنزل ولو احتجتها هكلمك ... كانت ساهمة قلقة حزينة وكنت مثلها لا أتخيل ذهاب يوسف بعيداً عنا .. نعم انا عرفتهما معا واحببتهما معا وبنفس القدر ربما ... تحرك شوكت بيه وأخذ يوسف وصعد فأستوقفته : شوكت بيه استنى مش هينفع حد يكون بعيد عن التانى فى الظروف دى ياله يا سحر اطلعى وانا هكلمك فى التليفون لما أوصل .... مدت يدها سلمت عليها كنت احاول طمأنتها لكننى غير مطمئن .... وقفت حتى غابوا فى مدخل البناية وتحركت بالسيارة هائماً على وجهى ادور فى ذات الشوارع دون وعى .. كنت ابحث فى عقلى عن حل دون جدوى فانا لا اعرف حرفا فى القانون ... حياتى بسيطة لم تكن يوماً بهذا التعقيد القانونى ... أكبر مشاكلى القانونية مخالفة مرورية انهيها باتصال تليفونى بسيط .... ووجدتنى دون وعى أذهب اليه ... نعم الشيخ عزيز !! أوقفت السيارة ودخلت المسجد لأجده فى ذات المكان وكأنه كان ينتظرنى ... كانت على وجهه ابتسامة مطمئنه ... جلست بين يديه صامتاً وهو صامت يداعب مسبحته الكهرمان بين يديه ويتمتم فى سريرته ... ربت على يدى وهو يقول : سبها على الله .. بدأت احكى وهو يتمتم : عارف يا بنى ... كان يحاول تقرير ما كان .. توقفت فى دهشة وانا أسأله : والحل .... ايه فايدة انك عارف ؟؟؟ اجابنى : الأمر لصاحب الأمر .... لقد جئت عبثاً ألتمس عنده الحل ... فوجئت به يقول : يابنى انا عبد ضعيف زى زيك ... ربك يقدر الخير ان شاء الله .. خلى بالك واوعى تفقد ايمانك واتوكل على الله ... نسيت انه يستطيع معرفة ما يدور فى عقلى بالتخاطر .. قمت انوى الأنصراف واليأس يضع بذوره فى نفسى .. جذب يدى وأجلسنى : أوعى تقنط ... رحمة ربنا كبيرة وتلى ( يا بنى اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه ولا تيأسوا من روح الله إنه لا ييأس من روح الله الا القوم الكافرون )... شعرت بهالة من اليقين تتسرب فى نفسى فقلت مصدقاً : صدق الله العظيم .. ابتسم وسألنى : ملاحظتش حاجة ؟؟؟ هززت رأسى نفياً فتابع : الآية من سورة يوسف عارف قصته .. هززت رأسى ايجاباً فتابع : يوسف غاب عن يعقوب ثلاثة وعشرون سنه فهمت وتلى ( والله غالب على امره ولكن اكثر الناس لا يعلمون ) اوعى تيأس يا حسن والشيطان يضحك عليك وخلى بالك من الأمانة ربك هيقدر الخير إن شاء الله ... شعرت بهالة من الراحة والسكينة والأطمئنان تملأ قلبى المتعب المتشكك لترده الى ايمانه ويقينه بالله .... فرددت بعزيمة المتيقن المتوكل : إن شاء الله ...
فى منزلى كان هناك سجال وجدال دائر بين افراد اسرتى او بالأحرى بين أخوتى وأمى ... أما أبى فكان صامت يستمع ولم يكن يروق له حديث الجميع على ما يبدو ... دلفت من الباب فساد الصمت الا من ترحاب أمى التى سألتنى على الفور أين كنت طوال اليوم لم تنتظر حتى جلوسى ... ابتسمت بلطف وإن كان الأرهاق يكاد يقتلنى لكنها أمى : رحت خدت العربية من القسم ووديتها مركز الصيانة . ...
تابعت استجوابها الذى يحمل نبرة ساخرة قليلاً : وكنت لحالك ولا السنيورة كانت معاك ؟؟؟
ابتسمت لها فى حنان : هى خلاص بقى اسمها السنيورة ... ربنا يستر .
ولت وجهها نحو أسراء : قومى هاتى الأكل لاخوكى ... ثم عادت نحوى ساخرة : ولا كلت عندهم يا حبيب امك ؟؟
كنت فى شوق حقيقى للحديث معها باسلوبها المتهكم الطيب فى ذات الوقت ابتسمت ابتسامة خجلى : هموت من الجوع كويس كده يا ستى .... فألمحت لاختى نظرة فحواها ان تحركى سريعا فانطلقت الى المطبخ مسرعة ... كنت اتحاشى النظر الى ابى .. اما هو فلم يكن يفعل شيئ غير النظر لى فى تركيز مبهم والتمتمة بأزكاره على مسبحته ... أشعر بما يريده لكنى احاول ترك مساحة من الفرصة فانا أعرف عناد أبى وصرامته ولا اريد الصدام معه فى هذا الشأن تحديداً
أبى آمراً : خلص أكلك وحصلنى ... وتحرك الى غرفته دون ان ينتظر رد .. من الذى سيجرؤ على الرد من الأساس .
كنت اتسائل فى نفسى لماذا لا يترك لى هدنة لأستريح .. وظلت أمى جالسة حتى اطمأنت لدخوله الغرفة ثم تحركت وجلست فى المقعد المجاور لى تماماً وهى تسألنى فى سخرية وتهكم واضحين : هتعمل ايه يا حزين ؟؟... بس البت حلوة وتستاهل وشكلها بتحبك .. وأطلقت ضحكة فرحة خفيضة حتى لا يسمعها ابى وتصير المأساة معها هى ..
نظرت لها فى سرور فيبدو أنها موافقة على الزواج وإن كنت اعرف انها تريد أن تزوجنى والسلام ... ابتسمت وطمأنتها : الأمر لله ربنا يهديه عليا زى ما هداكى ... لكزتنى فى ذراعى بيدها فأمسكت يدها وقبلتها فأحتضنت رأسى فى حنان .. دلفت اسراء من المطبخ على المشهد : ايه دا كله مين قدك يا عم احنا كده نحسدك بقى ؟؟؟ امى تنهرها : اسكتى يا بت تحسديه على ايه مانتى قاعدة فى وشى يوماتى على الله هوا انا بشوفه غير كل فين وفين ياله عقبال ما تتجوزى انتى كمان وتريحينى منك .. محمد يتدخل مداعبا وقد كان يجلس صامتاً كعادته : مش لما اتجوز انا الأول ؟؟
امى فى تهكم : جزوا نحلك يا واد اختك الأول ولا شايفلك شوفة انت كمان ؟؟؟
محمد متهكما يسألنى : هى ملهاش اخت يا ابو على ؟؟؟ ابتسمت له فانا اعرف انه يعرف : افهم من كده انكم موافقين ؟؟ الجميع يهز رأسه علامة الموافقة
وامى مردفة : المهم ابوك يوافق وندرن عليا ازغرد .... بس وطوا صوتكم ليكون ابوكم بيسمعنا حاكم ابوكم بيسمع دبة النملة ويعمل مطنش !! نضحك جميعاً وهى تغطى وجهها بطرحتها لتكتم ضحكاتها حتى لا يسمعنا أبى ... كنت فى شوق لهذه الجلسة الأسرية التى لا نمل فيها من التهكم والضحك حتى يصل الواحد منا ان يتهكم على نفسه ليضحك الجميع ..
تناولت طعامى ونحن نتبادل النقاش الساخر وتصورات رد فعل أبى ... كنت مهموما بهذا اللقاء وأمى لا تعرف شيئاً هو لم يناقش احد ولم ينبس بحرف يدل على شيئ ... انهيت طعامى وتوجهت لمصيرى القابع خلف باب هذه الغرفة كان جلوسى مع الشيخ عزيز قد اراحنى نفسياً وأصبحت مهيأ لتلقى أى أمر مهما يكن من قسوته ووجدتنى اكرر الآية وأنا أطرق باب الغرفة ( والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون ) دلفت لحجرة الاستجواب الفيدرالى الأبوى ببطء كمن يمشى على مسامير من حديد .. كان أبى يجلس على حافة الفراش متكئاً بظهره فأعتدل .. فأصبحت خطوتى ابطأ مما كانت .. جلست على حافة الفراش أمامه صامتاً كالموت .. وهو ينظر لى بعيون متفحصة وسألنى : هتعمل ايه ؟؟؟ كان السؤال محيراً الى أقصى حد .. أجبته بسؤال : هعمل ايه فى ايه ؟؟؟ كنت انظر للبساط على الأرضية متحاشياً النظر له .. أردف : فى ايه يعنى .. فى موضوعك ؟؟؟ كانت الأسئلة مبهمة بالنسبة لى أو أننى كنت أشعر هكذا لا أدرى حقيقة ولا أعرف بماذا أجيب ظللت صامتاً وهو ينظر لى نظرة ثاقبة تكاد تخترقنى قال يحثنى : ما تتكلم يا بنى .. نظرت له كان وجهه جامداً مبهماً لا يظهر أى مشاعر ... فأجبته ببساطة وقد عدت للنظر للبساط على الأرضية : كل خير إن شاء الله ... اتكأ بظهره على السرير ووضع يده فوق رأسه : ممكن تفهمنى موضوعك من أوله لآخره ؟؟
كنت متأكداً من انه لن يهتم بكونى أحبها وهذا الهراء بنظره ..
أجبته بهدؤ حذر : هم ناس كويسين بس طبعاً عاداتهم غيرنا وعيشتهم غيرنا أنا فاهم وجهة نظر حضرتك ..
وكأنه ألتقط طرف الخيط : وتعتقد ده هيريحك فى حياتك .. الأرتباط لازم يكون فيه تقارب وتفاهم وانت بتقول بنفسك عيشتهم وعاداتهم غيرنا ..
يبدو أنى أخطأت البداية بغبائى فليكن : كل حاجة بتتغير مع الوقت ... مفيش حاجة بتفضل على حالها ..
أبى متهكماً : زى مانتا أتغيرت كده ؟؟
أنا مدافعاً عن نفسى : أنا متغيرتش .. أحتد من الكلمة : لا اتغيرت وكل حاجة فيك اتغيرت ولا بقيت فاهم فى اصول ولا فى الناس والمشكلة أنك مش حاسس بنفسك ...
كان محقاً نعم لقد تغيرت .. أصبحت أحب .. تغير فى كل شيئ منذ عرفتهم .. قلبى لم يعد قلبى .. عقلى لم يعد عقلى .. نفسى لم تعد نفسى ... أصبحت سحر تعيش معى حتى فى أنفاسى التى أتنفسها .. حتى أحلامى .. كل شيئ .. ظللت صامتاً لا أدرى ماذا أفعل .. وأنقذتنى أمى إذ دخلت الى الغرفة تسألنا هل نرغب فى تناول الشاى بالطبع هى لم تأتى من أجل الشاى أعرف أنها جاءت لتساندنى ... فقد جلست على الجهة الأخرى من الفراش .. نظر أبى نحوها وسألها : انتى جاية تقعدى ولا جاية تسألينا على الشاى ؟؟؟ أمى مبتسمة : اسراء بتعمله وهتجيبه ..
يبدو أن وجود أمى لم يكن يروق له فطلب منها أبى الأنصراف وتركنا .. لكنها ولعجبى رفضت وهذ من الأشياء التى لا تفعلها إلا فيما ندر .. ونظرت لأبى : مش ولدى زى ما هو ولدك .. نشوف فيه ايه ونريحه ؟؟
احتد أبى : مش عايز كلام فاضى .. عاوز اتكلم معاه لوحدنا ؟
أمى بتحدى : ممشايشى يا عطية .. وهقعد معاكم واتكلم زى مانا عايزة .. لم تكن أمى تخاطبه بعطية غير فى لحظات الرضا ولحظات الغضب .. فصمت أبى وتوجه نحوى يسألنى وقد أستسلم لتدخلها : هتعمل ايه رد عليا عشان ننهى الموضوع ده ؟؟؟
أمى ترد نيابة عنى : انت مش الشيخ قالك جوزهاله .. عاوز ايه تانى ؟؟
وقف أبى غاضباً وهو يطلق لعناته علينا وترك الغرفة وخرج .. وأنا أصبحت كالغريق أنظر لأمى وهى تجبر بخاطرى بكلامها الطيب .. وإن كنت قد تأكدت من صعوبة أقناع أبى فليكن أستأذنت أمى وذهبت لغرفتى التى أصبح محمد يشاركنى فيها .. وجدته جالساً بالغرفة وبادرنى بسؤاله متلهفاً : عملت أيه مع أبوك ؟؟؟ أجبته بأستسلام : ولا حاجة مش راضى .. وجدته يخبرنى ان تليفونى لم يكف عن الرنين .. كانت سحر لكنى لست فى حالة تسمح لى بالكلام معها .
نمت وكأنى لم أنم منذ عام ... كنت محبطاً ولكنى لست يائس .. كنت ضائعاً وفى موقف لا أحسد عليه فقد أخبرت شوكت بيه أن أهلى موافقين .. لقد تسرعت لكن ماذا كنت سأقول .. نمت ووضعت همومى كلها جانباً ....
كنت جالساً على طرف سحابة فى السماء مدلياً ساقى كأنى أجلس على كرسى ... كانت تحملنى وتسير بى فى تؤده وأنا أنظر للأرض من بعيد البشر بالأسفل فى زحام خانق وتدافع .. كنت أشاهد كل شيئ بدقة وأسمع كل حرف ينطق به كل شخص غير مبالى بأحد مكتئب من الحياة كلها .. شعرت بكف صغير يربت على كتفى نظرت خلفى وجدته يوسف مبتسماً وهو يقول لى بصوته وليس كما يخاطبنى بالتخاطر : متزعلش يا بابا حسن .. أمسكت بيده وسألته : انت بتتكلم ازاى كده ؟؟؟ ضحك بصوته الجميل الذى اسمعه لأول مرة : أنا خفيت عشان خاطرك ... كنت فى حالة من الدهشة والتعجب كيف حدث هذا أكيد اننى أحلم وجدته يشدنى من يدى وهو يقول : تعالى معايا .... وقفت أنا وهو وسط السحابة وأشار للسماء فتحولت من النهار الى الليل وظهرت النجوم لامعة ذات بريق مثل النبض يخبو ويضيئ فى تواتر مبهج لكنى لاحظت نجماً متلألئ لا يخبو بريقه مثل باقى النجوم .. أسرعت السحابة وطارت بنا نحوه حتى وصلت عنده وتوقفت ... مد يوسف يده وأمسك بالنجم بيديه الصغيرتين وقدمه لى كمن يقدم هدية وهو ينظر لعينى ويبتسم مددت كلتا يداى وأمسكت به وأنطلقت السحابة نحو الأرض حتى وصلت الى حديقة غناء ممتدة على مرمى البصر فلا تكاد تصل لنهايتها نزلنا اليها ووقفنا ننظر حولنا .. كانت الحديقة مضيئة بالنجم بين يداى وكأنه شمس النهار وظللنا نمشى على ضوء النجمة بين يدى حتى وصلنا ربوة عالية ورجل يجلس بمنتصفها يلبس ثياباً بيضاء ناصعة ويقرأ فى كتاب يشع نوراً .. ذهبنا اليه حتى بلغنا مجلسه فرفع رأسه مبتسماً .. كان هو .. نعم كان الشيخ عزيز .. رحب بنا وطلب منا الجلوس .. جلسنا فى مواجهته .. أخذ يقرأ سورة يوسف بصوت عذب وأنا ويوسف نكرر الآيات التى يتلوها .. كان يوسف صوته جميلاً عذباً .. وأنا ما زلت ممسكاً بالنجم بين يدى حتى فرغنا من القراءة ... فأشار الشيخ عزيز بيده باتجاه الجنوب ... نظرنا الى الجهة التى يشير إليها كان أبى قادماً نحونا .. حتى بلغنا ووقف ووجهه يبتسم ومد يديه نحو يوسف فقام إليه يوسف فحمله أبى بين يديه وأحتضنه ... كنت مسروراً ولكنى متعجب من تصرف أبى ... فبادرنى الشيخ عزيز : قوم مستنى أيه ؟؟؟ وجدت النجم يتحرك من يدى الى أعلى وقفت لأمسكه وجدت يوسف يطلب منى تركه فتعلق النجم فوق رأسى فأصبحت ككتلة من النور ....
يد ما تهزنى بقوة لا تخلو من الحنان فتحت عينى لأجد أمى تجلس بجانبى وهى تقول بحنان : أبوك عايزك ... سألتها عن الوقت ؟؟ أخبرتنى أنه الفجر وأبى صلى وطلب منها إيقاظى .. قمت وتوضأت وصليت ثم ذهبت للغرفة التى يقيم بها أبى وجدته جالساً على سجادة الصلاة ينتظرنى وهو يحرك مسبحته ويتمتم بأزكاره .. فجلست أمامه فنظر لى وابتسم .. كان هذا شيئاً غريباً بالنسبة لى بعدما حدث بيننا فى المساء .. فبادرنى : صليت الفجر ؟؟ هززت رأسى إيجاباً .. وجدته يربت على كتفى ويهم بالقيام فأمسكت بيده أساعده للنهوض حتى أستوى واقفاً وأحتضننى وهو يقول : الصبح إن شاء الله كلم شوكت بيه وحدد معاد معاه .... لم أتمالك نفسى من السعادة قبلته وأحتضنته بقوة وقبلت يده وأنا أكاد أطير من الفرح .. وأمى تهنئنى : لولا الوقت متأخر كنت زغردت مع انى مبعرفش أزغرد .. جريت نحوها كطفل صغير وأحتضنتها وأنا أشكرها لأقناع أبى فقالت : وحياتك ولا كلمته ... هوا أبوك حد بيعرف يتكلم معاه ؟؟
اندهشت ونظرت الى أبى الذى جلس على طرف الفراش ووجهه باش مبتسم وعينى كلها تساؤل .. لكنى لا أجرؤ على السؤال ففاجأنى ليبدد حيرتى : الخير اللى شفته بين ايديك الليلة دى يا بنى يخلينى لازم أوافق ... خليها سر بينى وبينك وبين يوسف ... لم أكن أصدق وأتسعت عيناى عن آخرهما وأمى تسأله : يوسف دا الواد الصغير يا حج ؟؟ اومأ ايجاباً ... فطلبت أمى بفضول : طب حكيلى اللى شوفته .. ضحك وطلب منها الذهاب وأعداد الفطار فقامت متبرمة : هو انتا كده فى حزنكم مدعيين وف فرحكم منسيين ... ضحكت وقبلت يدها ووعدتها أن أقص عليها فيما بعد وهرولت الى غرفتى لأكلم سحر لن أنتظر حتى الصباح .... سعادتى وقلبى لن يحتمل حتى الصباح ... وجدت محمد يخرج من الغرفة وهو يحمل هاتفى بين يديه والهاتف يرن : أختطفته من يده وأنا أخبره أن أبى وافق وهو يهنئنى وعدوت نحو الغرفة وأجبت الهاتف كانت سحر على الطرف الآخر تكلمنى فى هلع لم أفهم منه شيئ وأنا أحاول أن أجعلها تهدأ حتى أفهم كانت تبكى وتقول كلاماً غير مفهوم .. ماذا أصابها ؟؟ لماذا لا تكتمل الأشياء وتمضى برتابة واعتياد كما يحدث مع كل البشر ؟؟
رااائع وان كان تشويق مرهق جدااااا هههه
ردحذفالحلقة 12 قريبا
حذفجميلة بس بتطع الاحداث في وقت مستفز هههههه بس جميله اري
ردحذفما ده التشويق
حذف