بلادى سمراء طيبه ... تهجرنا ونهجرها سعياً وراء الرزق ... لكننا حين نذهب قد نعود أحياءاً وقد تعود أجسادنا فى نعوش عند الموت لندفن بها ... وقد لا نعود أبداً وتأخذنا الدنيا فنسميها الغربة
أحمل حقيبتى معلقة فوق كتفى فى طريقى خروجاً من قريتى الصغيرة أسير فى طريقها الترابى الضيق الذى يحمل رائحة أعرفها منذ كنت صغيراً وأنا ألعب فى دروبها .... هى مزيج من النباتات المتناثرة التى تساقطت عن ظهر الدواب وهى آفلة فى رحلة العودة من الحقول وروثها المبعثر هنا وهناك والهواء يحمل رأئحة دخان الأفران المنزلية التى تستعمل الحطب وأعواد البوص وقوداً ... والخبز والطعام برائحته الطيبة التى تشعرك بالجوع .
أتلفت يميناً ويساراً ألقى التحية على الجالسون أمام ديارهم فى حلقات صغيرة يتسامرون ويتجاذبون أطراف الحديث كل حسب نديمه المستأنس بجلسته يردون التحية فرادى وجماعات ويعودون مرة أخرى لأحاديثهم التى لا تخلو من الشكوى والحمد فى تمازج غريب بين الرضا والضيق .... والإبتسام يعلو الوجوه المرتسمة بخطوط الشقاء فوق الجبين والجلاليب المتسعة الفضفاضة وكأنها صممت هكذا لتستوعب الدنيا بدوارنها المتسع وعماماتهم العالية لتقيهم الشمس والبرد فى آن واحد ولتعلو بها هامتهم لتظهر العزة المستترة فى فقرهم .... والبعض ممن يعرفون وجهتى يدعون لى بالتوفيق فى سفرى ... ويستوقفنى صوت جدتى حليمة تجلس فى سدة دارها تراقب المارة لتستأنس بالخطوات المارة من أمام دارها بعد أن ملت من إحصاء سنين عمرها التى أوشكت على المئة عام ... قرن من الزمان عاشته فكانت القرية كلها تعشق هذه العجوز ويتبركون بها .... كانت حين تحكى قصصها لنا ونحن أطفال صغار تأخذنا لعالم جميل ملئ بأحلام جميلة ... وتضع بأيدينا اللقمات الشهية من الحنون لتسد جوعنا وهى رغفان صغيرة بها سمن وسكر كنا نقضمها متحلقين حولها فى تلذذ جميل نستمع الحكايات حتى نذهب فى ثبات عميق وهى تغنى لنا أغانى كان لا يعرفها أحد سواها بصوتها الحنون المكسو بمشاعر الأمومة الجمة .
أجثو على ركبتى وأقبل يدها التى تجذبها فى سرعة وتربت على ظهرى وتسألنى : مسافر خلاص يا أحمد يا ولدى ؟؟
أجيبها بإطراقة من رأسى وتنطلق فى سيل من الدعوات التى تحمل سجعاً وكأنها تغنيها وتحتضننى بقوة وكأنها لن ترانى مرة أخرى ... فأنا الحفيد المفضل لديها من أربعة وثلاثون حفيداً ... كانت تحبنى كما لم تحب أحدا ربما لأنى مطيع وهادئ الطباع .... وكانت دائما تغمرنى بعطف زائد وحنان جم ... كنت الازمها أكثر من الجميع أكون معها أكثر من وجودى فى دارنا ومع أمى التى كانت تقول لى دائما مداعبة : انت ولد حليمة مش ولدى ... أرى دمعات تترقرق من عينا جدتى الجميلتين فأضع رأسى فى أحضانها مرة أخرى مخفياً دموعاً بدأت فى الإنسكاب على وجنتى ... كانت جدتى أكثر من أحب فى الدنيا ... رفعت رأسى بيديها الحانيتين الدافئتين التى تملؤها التجاعيد وخطوط الزمن وأطلت فى عينى وكأنها تستزيد من رؤية ملامح وجهى وتقول باكية : ياله يا ولدى اتوكل على ربك ومتغيبش ومتسيبش الغربة تاكلك لإما هتعاود متلاقيش حليمة ... هستناك يا أحمد بس متغبش وراعى ربنا يا ولدى يراعيك . كان وداع جدتى حليمة أكثر ما آلمنى لم أكن أعلم أنها المرة الأخيرة لى بين أحضانها لو كنت أعلم ما ذهبت وتركتها فهى كانت تودعنى وتعرف أنى سأغيب وتقتلنى الغربة .
فى القطار الزحام الخانق والباعة الجائلين يقطعون الممرات ذهاباً وإياباً فى حركة دائمة مقلقة وانا أجلس بجوار النافذة أراقب المناظر المتسارعة والبلاد والأشجار والحقول والبشر واللافتات تحمل اسماء البلاد كل الأشياء تدنو ثم تبتعد مسرعة لترسم تفاصيل الرحلة حتى يصل القطار لمحطته الأخيرة فأنطلق يتدافعنى طوفان البشر المتدافع فى إتجاهات شتى بقوة لا أعرفها إلا إنى لا أقاومها فقد تكون نجاتى فى عدم مقاومتى حتى أجدنى خارجاً من هذا الطوفان إلى رحابة الميدان المطل على المحطة وهو يعج بالصخب والبشر منطلقين فى سباق لغاية لا أعرفها .... إنها المدينة التى لم تخطوها قدمى فيما مضى من عمرى حيث كان عالمى منحصراً بقريتى الصغيرة والمركز الذى كنت أذهب إليه للدراسة بالمدرسة الزراعية التى حصلت منها على مؤهلى المتوسط وبعض مرات ذهبت فيها إلى أسيوط للتقدم للتجنيد الإلزامى الذى حصلت منه على أعفاء مؤقت مما أعطانى الفرصة للسعى مبكراً للألتحاق بعمل أتكسب منه رزقى وأبدأ به حياتى وأتزوج ..... مسار لا يتغير وكأنه قد تحول بآليته هذه إلى فرضية لا تحتمل الكسر .. وحتمية لا تقبل الإنكار الذى يطرحه المنطق ... فماذا سيفعل الفقراء بالزواج .. والإنجاب ... والأسرة .. المزيد والمزيد من الشقاء المتواصل والسعى الحثيث إلى اللاشئ .
وقفت عاجزاً منبهراً لا أقوى على تحديد أتجاهاتى وأخشى حتى من السؤال الذى قد يلقى بى إلى الضياع لعدم ثقتى فيما حولى ومن حولى من البشر المتموج كأنه بحر بلا شطآن ... وقررت الأعتماد على نفسى وأخذ قرارى بالسير حيث الزحام الأكثر ربما أشعرتنى فطرتى بالأمان وسط الكثرة بغريزة القطيع الذى تتقارب المسافات بين أفراده رغم أتساع المكان من حولهم .. أشرد بذهنى كل هؤلاء البشر يعيشون ما أعتبره المأساة رغم الدقائق البسيطة التى أشعرتنى بالدوار ... ويصطدم بى العديدون وكأنى قد ظهرت لهم فجأة من العدم ... أو ربما أسير أنا بطريقة خاطئة .... ودائما ما يكون رد فعلهم هو نظرة لامبالية أو إمتعاض بادى على ملامحهم أو ربما تكون وجوههم هكذا ... وألمح بين الوجوه القادمة نحوى شيخاً كبيراً بلحية بيضاء وجلباب أبيض وأتوسم فى وجهه النجاة فأستوقفه وأسأله عن شارع كلوت بك فيشير بيده الى مسجد كبير على الناحية الأخرى من الطريق ويخبرنى أن أمضى بجوار المسجد مباشرة وأدخل الشارع أمامى دون أدنى أنحراف يمينا أو يساراً ولا يكاد ينطق الكلمات وينهيها فيتركنى ويمضى ويغوص فى الزحام وكأنه لم يكن موجوداً وأنا ما زلت ثابتاً فى مكانى أنظر للمسجد وأسأل نفسى كيف سأعبر هذا الطريق الذى بدا لى كبحر والسيارات أمواج جامحة بين شطيه ولكنه القرار بغريزة القطيع ذاتها وكأنى قد جعلتها ركيزة أنجو من خلالها فأنسقت وسط الزحام يقفون فأقف يمشون فأنطلق والخوف من السيارات يجعل رقبتى فى حركة من الدوران المستمر حتى بلغت غايتى وغصت داخل الشارع الملئ بالمحلات واللوكاندات المتآكلة المتناثرة بالأزقة والتى يأوى إليها بنو جلدتى لقدرتهم على تحمل تكلفتها ... وقفت بجوار أحد المحلات وطلبت منه أجراء إتصال هاتفى وأخرجت من جيبى ورقة مدون عليها رقم خالد صلاح الشخص الذى وفر لنا فرصة العمل هذه وسنسافر معاً سوياً ورد على صوت أجش حولنى الى خالد الذى طلب منى ألا أتحرك من مكانى حتى وصل ووجدته واقفاً أمامى وأقتادنى إلى أحد الأزقة شديدة الضيق ودخلنا إلى مبنى عتيق وصعدنا الى غرفة متسعة تحوى العديد من الأسرة المتراصة لا يفصل بين كل منها سوى موضع قدم وسقف عالى يقارب الستة امتار أرتفاعاً وكأنهم أستعاضوا عن ضيق الأرض المتزاحمة بالأسرة برحابة السقف حتى تتمنى وانت تنظر أن تصبح الغرفة بوضع أفقى مقلوب على جانبه ...
بدلت ملابسى وتناولت الطعام الذى أحضره لنا خالد وذهبت فى ثبات عميق ... وأنا أشعر بالبشر تتقاذفنى بينها كورقة فى أحلامى وأفتح عينى حتى أطمئن وبالسرير جوارى ألمح شخصاً غريباً نائم أدير رأسى أجد خالد يمسك بأوراق يكتب فيها أطمئن وأعود لنومى
فى الصباح ننطلق أنا وخالد لننهى أوراق سفرنا ... منساق خلفه يوجهنى وكأنى دمية فهو يعرف كل شئ وأنا أجهل كل شئ ... وانهينا الإجراءات بعناء من كثرة الأماكن والتوقيعات والتأشيرات والطلبات والطوابير الممتدة من البشر فى تقلص وتزايد ... وتحدد سفرنا بعد يومين ورجعنا لغرفتنا مرهقين تناولنا الطعام وأحتسينا كوبين من الشاى وأسترحنا قليلاً وذهب خالد لقريب له وظللت بالغرفة مضجعاً فى فراشى محدقاً بالسقف العالى حتى تملك منى النوم .
مر اليومان وأنا ملازم للغرفة حتى شعرت أنها ملت من تواجدى فيها أما خالد فكان دائم الخروج ... وجاءت لحظة السفر وأحسست بأنى أنتزع من روحى ... والخوف يضع هواجساً وافكاراً وأمالاً أحاول بها طمأنت نفسى الشاردة وسافرنا الى الأردن وخالد يتولى كل أمرنا أما أنا فكنت كطفل متشبث بوالده أتابعه بعينين متيقظتين خشية الضياع ووصلنا الى المزرعة الشاسعة التى سنعمل بها وأستقبلنا صاحب المزرعة وكان الشيخ صالح رجلاً مسناً له ملامح وقسمات طيبة وأخذنا إلى مكان مبيت العمال المقسم الى خمسة غرف يتوسطها مساحة شاسعة بدون سقف يطلقون عليها ( الحوش ) وأدخلنا الى أحد الغرف كانت تحتوى على سريرين صغيرين ودولاب ملابس كبير وأربعة كراسى يحيطون بطاولة يبدو أنها وضعت بهذا الشكل لتناول الطعام ... أخبرنا الشيخ أنه لا يوجد غيرنا بالمكان فمعظم العمال من قرية قريبة منا وطلب الينا الراحة ليومين من مشقة السفر وترتيب حياتنا وشعرت بطمأنينة للمرة الأولى من خروجى من قريتى الصغيرة لهذا العالم الكبير المتسع الذى لا يستطيع عقلى وقلبى احتواءه ببساطتى وعفويتى التى أعيش بها متصالحاً مع نفسى قدر الإمكان ومتجانساً مع ما حولى حتى يكاد البشر لا يشعرون بوجودى.
بدأنا العمل فى اليوم التالى مباشرة وقد سر الشيخ صالح بهمتنا وكان يجلس عن بعد يراقب الجميع ويوجه بعضنا الى أعمال معينه ليؤدوها وبتنا نتعرف شيئاً فشيئاً الى العمال والفلاحين الذين يعملون معنا فى المزرعة وكان من بينهم رجل خفيف الظل ومرح دائم الغناء بصوت جميل كان اسمه عبد الله والذى عرفت أنه أقدم العاملين ورئيسنا عند عدم وجود الشيخ صالح .
وفى نهاية اليوم سألنا الشيخ عن احتياجتنا ليوفرها لنا فأخبره خالد بالأشياء التى نحتاجها حيث كان يتولى الكلام وأنا أكتفى بالنظر فقط ووجدت الشيخ صالح يعيد سؤاله موجهاً سؤاله لى هذه المرة ووجدنى أنظر الى خالد الذى أبتسم وأشار لى أن أخبر الشيخ فوجدتنى أردد ما قاله خالد كالببغاء فأبتسم الشيخ أبتسامة صغيرة وأتكأ بوجهه على عكازه الذى يمسكه بيده وأطرق قليلاً ثم نادى على عبد الله وطلب منه أن يشترى أحتياجتنا من البلدة القريبة وهو قادم غداً وأخذنا عبد الله وطلب من خالد أن يكتب ما نحتاج اليه وأخذ يرحب بنا ببشاشة عندما علم أننا من صعيد مصر ويصفنا بالطيبة والرجولة .. وسألنا إن كنا نرتاح فى أقامتنا بالمزرعة وأنه يمكنه توفير مسكن لنا بالقرية إذا لم نرتاح وأستغربت من عرضه بينى وبين نفسى وظل السؤال عالقا بعقلى حتى أنصرف فوجهت السؤال لخالد الذى ضحك وأخبرنى أنهم يشيعون عن وجود أشباح تظهر فى الليل بالمزرعة وسألنى إن كنت أخاف مثل هذه الأمور فأخبرته أنى لا أصدقها من الأساس وأخذنا نتبادل المزاح وذهبنا الى الأستراحة وجلسنا نعد الطعام وكان الليل قد أرخى سدوله على المزرعة ... وجلست أرتب ملابسى بالدولاب وخالد مضجعا على السرير وسمعنا طرقاً على باب الغرفة قام خالد وفتح الباب فلم يجد أحد فنظر لى ثم خرج يتفحص المكان ثم عاد وأخبرنى أنه لم يجد أحد فأبتسمت وأخبرته مازحاً ربما تكون الأشباح فدخل للغرفة وترك بابها مفتوحاً وجلسنا نتناول طعامنا وهذه المرة كان الطرق على النافذة ولكن بعنف فنظر لى خالد بقلق هذه المرة فقمت وفتحت النافذة وأنا أتطلع خارجها ولا أجد شئ فتركتها مفتوحة ورجعت للجلوس على الطاولة لأكمل طعامى ونظرت الى وجه خالد الذى تسمرت عيناه على النافذة فنظرت ناحيتها فلم أجد شيئاً فسألته ما الذى ينظر إليه فأخبرنى بتردد أنه لمح شخصاً عند النافذة وأنا عائد للطاولة فطمأنته وأخبرته أنه ربما توهم ذلك لكنه كان مصراً أنه رآه وأخذنا نتجادل فى الأمر ونحن على هذه الحال ووجهى صوب الباب لمحت شخصاً يمر من أمام الباب فقمت وخرجت عدواً خلفه ووقفت خارج الباب أنظر ولا أجد شئ وألتفت لأجد خالد بجانبى يسألنى بخوف : هل رأيته ؟؟؟
فنظرت له وقررت الخروج والبحث وبعد أن يأست من إيجاد شيئ عدت لأكمل طعامى لكنى وجدت الأطباق فارغة فناديت خالد أسأله إن كان أكل الطعام فوجدته يصرخ فى بعصبية إنه كان فى الخارج يبحث أيضا وعاد قبلى مباشرة فكيف حدث هذا ؟؟ ومن أكل الطعام ؟؟لم أكن أعلم ولا أدرى أجابة لأسئلته فهدأته وذهبت وأحضرت مصحفى الصغير من الدولاب وجلست على سريرى أرتل الآيات بصوت عالى وأضجع خالد على سريره وسحب غطاءه فوقه وقد هدأ قليلا وظللت هكذا حتى أتممت السورة وقمت فأغلقت الباب وكذلك النافذة وأطفأت اللمبة لكنى وجدت خالد يطلب منى أن أبقيها مضاءة فتركتها وعدت سريرى ونمت لا بل ذهبت فى سبات عميق.. ولكن بعد قليل وجدت يداً تهزنى فظننته خالد فتحت عينى وتلفت حولى فلم أجد شيئاً فقرأت بعض الأذكار وحاولت العودة للنوم ونظرت نحو سرير خالد لأطمئن عليه فلم أجده قمت لأبحث عنه دون جدوى عدت وقد شغلنى غيابه فناديت عليه فوجدته يجيبنى من ناحية الدولاب بالغرفة توجهت للدولاب وجدت خالد وقد تكور داخله وهو يبكى فاستغربت جدا من منظره هذا وأشفقت عليه أمسكت بيده أحاول أخراجه من الدولاب لكنه كان يرفض ويخبرنى أن شخصاً قد دفعه من على السرير وأوقعه على الأرض وأنه حاول إيقاظى دون جدوى فأختبأ فى الدولاب وأنه يخاف بشدة ... جلست بجانبه وأخذت أردد بعض الأذكار والأدعية وهو يرددها خلفى حتى هدأ وأقترحت عليه الخروج من الغرفة والابتعاد قليلا حتى يهدأ فوافق وذهبنا نتمشى تحت كرم العنب وكانت ليلة مقمرة جميلة يلقى القمر بضوئه علينا ولاحظت بئر معطلة وعليها غطاء خشبى كبير تقبع تحت كرمة العنب توقفت عندها أتفحصها وخالد يحذرنى ويطلب منى الأستمرار فى المشى معه .. أكملت مسيرى معه حتى وصلنا الى باب المزرعة ووجدنا شخصبن يجلسان هناك عند الغرفة الخشبية المخصصة للحراسة فأقتربنا منهم فوجدنا الشيخ صالح يجلس على مقعد خشبى والحارس يجلس على الأرض وقد أشعل نارا يعد عليها الشاى ألقينا التحية عليهما وطلب منا الشيخ الجلوس وشرب الشاى فجلسنا وسألنا الشيخ عن سبب سهرنا فوجدت خالد يروى له ما حدث ...
والشيخ مصغى والحارس ينظر لنا نظرة شفقة ووجدنا الشيخ صالح يخبرنا بأنه من الغد نستطيع السكن بالقرية وسيطلب من عبد الله العثور لنا على سكن وسيخصم مبلغ بسيط جدا من راتبنا ووافق خالد فوراً أما أنا فرفضت فاستغرب الجميع منى وسألنى الشيخ عن السبب فأخبرته أنى لا أريد أن أتحمل عبء مادى وأن ما حدث لا يزعجنى وكان الجميع ينظرون لى غير مصدقين وخالد يتهمنى بالجنون لتصرفى هذا والشيخ يطلب منى أن أستمع لنصيحة رفيقى وأذهب معه فسألته أين يقيم هو وفاجأه السؤال فأطال النظر لى ثم أخبرنى أنه يقيم بمنزله على الحدود الشمالية للمزرعة من ناحية التلة العالية وسألنى عن سبب سؤالى فأخبرته لماذا لا يقيم بالقرية ما دامت الأمور بهذه الصورة وفهم الشيخ ما أرمى إليه فأطرق قليلاً وكأنه يفكر أو يستعيد ذكرياته ثم بدأ يقص لنا حكايته مع بئر العنب فتبادر لذهنى البئر التى رأيتها منذ قليل فسألته هل يقصد البئر أسفل كرم العنب القريب من الأستراحة فأومأ برأسه إيجابا .... وتابع قائلاً هذه البئر كانت هنا منذ سنين بعيدة وكنا نستخدمها للشرب والرى وكانت الزراعة متركزة فى الزيتون والحمضيات من ليمون وبرتقال وبعد فترة أهتمت المزارع بزراعة العنب لأنه يدر أرباحاً جيدة فبدأنا كالجميع نزرع الشتلات ونعد لها حتى صار الكرم كبيراً وأصبح البئر فى منتصفه كما رأيتم وهنا بدأت المشكلة فقد كان العنب الذى يعلو البئر لا نستطيع جنيه فيتساقط فى النهاية داخل البئر وكنا لا نلقى بالاً للأمر فى البداية لكن مع مرور الوقت شعرنا بأن الماء أصبح طعمه حلواً من كثرة العنب الذى يتساقط داخله وبدلاً من أن نطهره تركناه على حاله بل أصبحنا سعداء بحلاوة الطعم ومع الأيام وتراكم العنب بالبئر تخمر العنب وأصبح الماء وكأنه الخمر لا بل هو خمر .... نظرت الى خالد كأنى أوجه له السؤال كيف يتحول الماء خمراً فوجدته لا يفهم مثلى تماماً لكن الحارس أكد على الكلام فسألت الشيخ لهذا أغلقتم البئر فأجاب نفياً وتابع بأسى وهو يدق بعكازه الأرض من تحت قدميه.... ليتنا كنا فعلنا هذا من وقتها لكننا أصبحنا نشرب منه غير مبالين بل واصبحنا نبيع منه لمن يرغب بعد أن انتشر الخبر فى القرى القريبه منا ولا أدرى كيف... وكنا فى غفلة عن المعصية التى نرتكبها وأصبح الناس يقصدون المزرعة لشراء خمر البئر والمال أصبح وفيرأ بسبب هذه البئر الملعونه ... وكنت أقيم وقتها فى المنزل الذى تقيمون فيه الآن أنا وأسرتى وكان ولدى أحمد شابا مثلك يا ولدى وكثيراً ما تذكرنى به منذ رأيتك إلا أنه كان جامحاً مستهتراً وأنا كنت السبب لأنى لم ألتفت لما يفعله فقد أدمن على الشرب من البئر حد السكر وبدأت الأمور تتحول تماما كان عقاباً من الله لى على هذه المعصية ... وقررت أن نبتعد عن المزرعة لأبعده عن الشرب من البئر فأشتريت منزلاً بالقرية القريبة منا وأنتقلت له أنا وأسرتى أعتقاداً منى أنه الحل وحولت المنزل الذى تقيمون به لأستراحة للعمال فقد كان هو المنزل الذى نقيم فيه... ومرت الأيام وأنا أظن أننى قد حللت الأمر لكن أحمد كان يأتى خلسة الى المزرعة خلسة ليشرب من خمر البئر وكان يسكن الأستراحة القليل من العمال فرأوه ذات مرة وأخبرونى فعاقبته عقاباً شديداً وجلدته فما كان منه إلا أن أنتقم من العمال فأصبح يأتى ليلاً ويخيفهم مثلما فعل معكم ليظنوا بوجود الأشباح ويتركوا المزرعة فيستطيع هو فعل ما يحلو له .... أنتفض خالد حينها وسأل الشيخ هل كان هذا أبنك الذى فعل بنا هذا ؟؟؟ هز الشيخ رأسه نفياُ ... أنه شبحه لقد قتل ولدى بسبب هذه البئر الملعونة ..... وترقرقت دموعه على لحيته والحارس يحاول مواساته ..... وهو يقول بتأثر شديد : هذا عقاب الله ... بعد أن تحقق لولدى ما يريد وهجر العمال الأستراحة وأصبحوا يقيمون بالقرية وخلت له الأجواء .... أدعى أنه سيسافر للعاصمة للألتحاق بعمل هناك وصدقناه لكنه كان يضمر شيئاً آخر فقد اتخذ من الأستراحة مأوى له والبئر مصدر رزق يبيع خمرها للسكارى الذين يقصدونه من القرى القريبة وأنا فى غفلة عن الأمر حتى حدث ما حدث ..... فى ليلة مقمرة مثل هذه الليلة جاء بعض رفقائه ليسهروا معه وبعد أن لعبت الخمر برؤوسهم نشبت بينه وبينهم مشادة قتلوه على إثرها وفروا .... وأكتشفنا الجثة المشوهة بعدها بأيام كثيرة بعد أن تعفنت وظهرت الرائحة فلم يكن أحد يقترب من الاستراحة وهم قتلوه بها ولم نكتشف الحقيقة إلا بعد أن شاعت الرائحة وأصبحت كريهة لا تطاق ... ومن وقتها صنعت هذا الغطاء الثقيل وأغلقت البئر الملعونه تماما وحفرت بئر جديد .... محاولاً التكفير عن ذنبى الذى أقترفته ... لكن كلما جاء عمال ليقطنوا الأستراحة يحدث معهم نفس الأمر ومن ثم يذهبوا فيعيشوا بالقرية وكل مرة أحاول دون جدوى .. لقد فقدت أبنى وأصبحت غير قادر على متابعة الأمور فى المزرعة فبنيت المنزل الجديد على أطراف المزرعة وعدت لأكون قريباً من العمل .... بعد ما سمعتماه الأمر عائد لكما حتى لو اردتما السكن بالقرية فلن أخصم شئ من الراتب ... شكره خالد ولكنى أصررت على البقاء وخالد يلكزنى والشيخ والحارس متعجبين ... واستأذنا الشيخ وأنصرفنا وظل خالد يلومنى ويطلب منى مرافقته حتى مل من أقناعى وأنا مقتنع بشئ واحد أنه لا توجد أشباح .
جلس خالد يعد حقيبته وأنا ذهبت فى سبات عميق حتى أوقظنى فى الصباح للعمل ... ولم يكن الشيخ موجودا حيث جلسته ... وأنفرد خالد بالريس عبد الله وطلب منه سكن له وأنه لن ينتظر حتى الغد وقص عليه ما حدث .... طمأنه الريس ولكنه كان ينظر لى بدهشة ثم نادى على وسألنى عن سبب بقائى وأقترح أن أرافق خالد ... وأخبرته أنى لا أؤمن بالأشباح وهذه الأمور التى هى درب من الخيال فضحك وربت على كتفى وأنصرفت الى عملى ومضى اليوم وأنطلق خالد فى نهايته مع العمال وظللت وحدى فى المزرعة ... بدافع الفضول ذهبت ناحية البئر أتفحصها والغطاء الخشبى الثقيل الموضوع على فوهتها غير مصدق بوجود بئر من الخمر وجلست بجوار البئر مستأنسا بضوء القمر الذى طالما كنت تراقبه فى الليالى المثمرة من أعلى دارانا ولكنى سمعت أنين جرو يأتى من مكان ما فقمت أبحث فى المكان حتى وجدته جرو صغير وجميل أخذت أنظر حولى أبحث عن أمه فلم أجدها فحملته معى وذهبت الى الأستراحة وأخذت أعد الطعام ووضعت لرفيقى الجديد طعامه وجلست أتناول طعامى وحدث نفس ما حدث بالأمس طرق على الباب ثم النافذة بالتتابع فلم أعره أنتباهى وتجاهلته وكانت هذه طريقتى فى التعامل مع الأمر التجاهل كأن لا شئ يطرق بابى ولا نافذتى .... وظللت على هذه الحال اتجاهل الأمر ولكن مع أخذ الحذر .... ركبت مزلاجا حديدياً لباب الغرفة والنافذة وكنت أغلقهما فور دخولى الغرفة وقفلاً خارجياً أغلقه حين ذهابى للعمل....
وكنت أنهى عملى وأعود الى غرفتى وأعد طعامى ونتناوله أنا وصديقى الجديد وحارسى المسائى كلما شعر بشيئ يستمر فى النباح حتى يحذرنى من اقتراب موعد الطرقات المتتالية ... رعد هكذا اسميته وأصبح لا يفارقنى حتى وقت العمل والكل يحبه لكنهم فى دهشة من وجودى وحدى حتى أوشكت أسطورة شبح البئر أن تنتهى وقد مر ثلاثة أشهر ... لكن الحقيقة ان الأصوات اصبحت أكثر ضجيجاً وأكثر تكرارا وأكثر ألحاح .
وكل يوم يمر يعلو الطرق حد الصخب ويزداد ليوترنى ولكى تهدأ نفسى ولا أستسلم للهواجس جعلت لنفسى ورداً يومياً من القرآن وكنت عندما أبدأ التلاوة يهدأ كل شئ فأنام واضعاً وسادة فوق رأسى تفصلنى عن كل الأصوات ... وأصبح الجميع فى دهشة من صمودى وأصرارى على هدم نظرية وجود هذا الشبح السخيف وكنت أحاول أثبات صحة معتقدى للجميع وأخفى عنهم أمر الطرقات والصخب والأصوات ... لم تكن شجاعة منى ... لكن ربتنى حليمة على عدم الخوف غير من الله لم تكن تخوفنى بالمجهول والاشباح كما يفعل معظم الأهل مع أطفالهم وكانت تقول لى دائماً كلمة لا أفهمها : ما عفريت إلا بنى آدم !!! وتضحك وتضع داخلى قوة خفية لا يستطيع شئ المساس بها وهى اليقين بالله ....
ومرت ثلاثة شهور أخرى وشوقى يزداد إلى اهلى كان خالد يقوم بدور البوسطجى بينى وبينهم هو من يذهب إلى القرية حاملاً خطاباتى ليرسلها لهم وعندما يعود فى الصباح يحضر لى خطابات التى يرسلها والدى بين الحين والآخر ويشترى لى كل متطلباتى من القرية فأنا لم تفارق قدمى خارج المزرعةوظلت الأمور هكذا الشهر تلو الآخر وأنا على حالى هذه فى الصباح وسط العمال فى المزرعه اعمل بكد فى المساء أعود أنا ورعد الذى أصبح قويا وذكيا للغرفة واغلقها بأحكام علينا وهو ينبهنى عند حدوث شيئ بنباحه المتكرر حتى جاء هذا اليوم رعد وقف منتصبا رافعا أذنيه ناظرا نحو الباب مطلقاً نباحه المتواصل وعرفت أن الطرقات ستبدأ على الباب ولكنها لدهشتى هذه المرة كانت بهدؤ وكانت طرقات مهذبة ولكنى تجاهلتها كعادتى ولكنها طرقات متتالية هادئة ليست ككل يوم صاخبة متقطعة وفجأة سمعت صوتاً ينادينى ... ظننت نفسى أتوهم فلا أحد يجرؤ على القدوم هنا ليلاً ... لكنه بدأ ينادى باسمى طالبا منى فتح الباب حاولت تمييز الصوت فكرر النداء فقمت لا بد من أن اواجه ما يكون مهما يكون استجمعت شجاعتى ووضعت عصا خلف باب الغرفة وفتحت المزلاج الحديدى بحذر وفتحت الباب ووجدت الشيخ صالح يقف مبتسماً ينظر لى بتفحص ويسألنى لماذا تأخرت فى فتح الباب هكذا ؟؟
ضحكت وأخبرته أننى ظننته الشبح فضحك ودلف الى الغرفة وجلس ورأى رعد وهو يقترب منه ويتشممه ثم يجلس فى سكون بجانب مقعدى فى المساحة ما بيننا وكأنه يصنع من نفسه خط حماية سألنى الشيخ صالح عن حارسى الشخصى ؟؟ وكيف هى الأحوال معنا؟؟ فأخبرته مازحاً أنه الساكن الجديد ويرحب بك بطريقته... نظر له طويلاً يراقب تحفزه ... طلبت من الشيخ مشاركتى الطعام الذى كان موضوعا على الطاولة فأعتذر فقمت أعد لنا الشاى .. وأخذنا نتجاذب أطراف الحديث ونشرب الشاى حتى أنهيناه كان يريد الأطمئنان على حالى فطمأنته وقصصت له ما يحدث وكان متعجباً من ثباتى وشجاعتى ... لكننى شعرت أن للزيارة مغزى آخر !!! كان يريد أن يعرف هل انتهت أسطورة الشبح؟؟؟ لكنه عرف انها لم تنتهى بعد واننى مازلت أعانى وأخفى حقيقة الأمر عن العمال بالمزرعة وكرر على العرض بالسكن فى القرية إذا رغبت فى ذلك لكننى رفضت فأنا شخص لا يهوى التنقل كثيرا .... هم الرجل أن ينصرف فطلبت منه أن أرافقه الى بيته اجابنى بلطف لا داعى ... لكننى صممت على الأمر وخرجنا نمشى فى المزرعة فى اتجاه منزله وقد تأبط ذراعى وأنطلق رعد يسبقنا ليؤمن الطريق من حولنا ولكنى لاحظت تصلبه فى مكانه لبرهة ثم انطلق إلى نقطة ما كالسهم ظللت أنادى عليه لكنه كان ابتعد والشيخ حركته بطيئة كنت الاحظ حركة بين الأشجار لكنى تجاهلتها ولكننى تذكرت شيئاً هاما قد اغفلته .... عندما خرجنا نسيت أغلاق باب الغرفة بالقفل كعادتى يبدو أن الزيارة المفاجئة المربكة جعلتنى انسى وأتخلى عن حذرى .... كنت متعجلاً للعودة لكن من الصعب ترك الشيخ وحده وسط هذا الأضطراب من حولى وسألت الشيخ هل التقى بالشبح من قبل أو اعترض طريقه؟؟؟ ... أكد الرجل لى أنه لم يره ولو لمرة واحدة وأنها كلها قصص العمال ولا يدرى حقيقتها!!! كان رده محيرا بالنسبة لى فمن أين أتت له فكرة الشبح هذه ؟؟؟ ووصلنا الى البيت وكان بعيداً جداً عن الأستراحة وطلب منى الشيخ الدخول فأعتذرت فدخل وأحضر طبقا من الحلوى المنزلية أعطاه لى فودعته وأنصرفت لانى فى عجلة من أمرى كنت احث الخطى مسرعاً ولكنى لمحت خيالاً لشخص يتحرك ناحية البئر ولاحظت نباح رعد عليه من بين كرم العنب فناديت عليه فأتى مسرعاً نحوى كان قلقاً شعر جسده نافر حاولت جعله يهدأ دون جدوى لكن فجأة قفز شيئ من بين كرم العنب وكأنه هوى من السماء حاول رعد الانطلاق نحوه لكنى استوقفته ممسكاً به بقوةولكنه ظل ينبح ويصدر صوتاً كالعواء لكنى أمرته بالسكوت وأنا أحدق لأتبين ما يحدث لكن دون جدوى فقد أختفى بين الكرم وما إن تحركت حتى انطلق رعد إلى ذات البقعة التى اختفى فيها !! ... لا أدرى القول اللص أم الشبح !! ... ظللت أنادى على رعد دون جدوى فقررت العودة وعدم البحث عنه فربما يكون لصاً وأنا ليس معى ما أدافع به عن نفسى
وصلت الأستراحة لأجد ملابسى كلها ملقاة على أرضية الغرفة ومبعثرة تضايقت جداً وعرفت أنه اللص الذى رأيته ففكرت قليلاً يجب أن أدافع عن نفسى .... أحضرت عصا الفأس الغليظة التى وضعتها خلف الباب من قبل وجمعت ملابسى وأعدتها إلى الدولاب ... كانت تدور فى رأسى الأسئلة المتشككة يجب أن اطرد هذه الأوهام ... لكن لم لم يسرق اللص شيئاً؟؟؟ هل هو فعلا شبح ؟؟؟ شعرت بالخوف يتسلل إلى قلبى بل وعقلى ايضا جلست أقرأ وردى اليومى من القرآن حتى تهدأ نفسى المضطربة حتى أنهيته ثم قمت وأطفأت اللمبة وجلست على الأرض فى ركن خفى بالغرفة وجعلت الباب مواربا حتى يستطيع رعد الدخول عند عودته وأنتظرت اللص فى الظلام سيظن انى موجود على السرير لكن ماذا لو كان شبحا لن تجدى عصا الفأس شيئا ؟؟؟ أنتظرت طويلاً ولكنى غفوت وأنا جالس ولا أدرى لكم من الوقت ؟؟؟ لكننى شعرت بصرير الباب يفتح ببطء ورأيت شخصاً يحدق ناحية السرير وبدأ فى التقدم بخفة فقمت من مكانى بهدؤ وأنقضضت عليه فصرخ من المفاجأة طرحته أرضاً وأنهلت عليه ضرباً وهو يحاول التملص منى ولكنى كنت أفرغ فيه غضبى وكبتى كل هذه الفترة فمن الأكيد أن هذا اللص هو من يفعل بى كل هذا الجنون وأفرغت فيه عذاب الشهور الماضية من الضيق والأزعاج والقلق وعدم النوم أحياناً والخوف أحيانا أخرى .... فكنت أضع بكل ضربة أوجهها له كل قوتى .
ولكن فى وسط غضبى وأنفعالى سمعته يتوسل أن أتوقف عن ضربه .... فقمت عنه وركلته بقدمى فى وجهه وذهبت سريعاً وأضاءت الغرفة .
كان شاباً بجسم هزيل ملقى على الأرضية والدم يسيل من أنفه وفمه وكان شعره كثاً أشعث كأنه لا يمشطه أبداً وسألته فى حدة من يكون؟؟ ولماذا أتى الى هنا؟؟ وجدته يحاول القيام فأمسكت بيد الفأس وهددته أنى سأنهال عليه ضرباً بها توسل لى أن أتركه فرفضت وكررت طلبى أن يكشف عن شخصيته .. ولكنه كان يراوغنى فلم أجد بداً من ضربه على قدمه بالعصا بقوة وحنق وهنا عاد رعد ووثب عليه يعضه من يده وهو يطلق صرخاته محاولا التخلص منه .. أصابت الضربة كاحله وكنت متعمداً حتى لا يستطيع النهوض من مكانه ورعد مازال يمسك بذراعه بين فكيه وهو يصرخ متألماً .
خرجت مسرعاً وأحضرت حبلاً وربطته به وأغلقت الباب ووضعت الكرسى خلفه وجلست وكررت سؤالى من يكون ؟؟؟؟
وهو يتوسل لى أن أجعل رعد يفلته ... ناديت رعد ليأتى ويجلس إلى جانبى فلبى ندائى فهو لن يتركنى اعرف هذا من عينيه ومن تحفزه ... اللص يخبرنى أنه أحمد أبن الشيخ صالح .... فأطرقت بغضب انه يحاول خداعى أحمد قد قتل كما حكى لنا الشيخ يبدو أنه أحد العمال الذين كانوا يعملون هنا ويعرف القصة وواجهته بما أعرفه
وهو يبكى من الألم ويتوسل فى مرارة أن أحل وثاقه وسيخبرنى بكل شئ ..... ترددت كثيراً ولكن فى النهاية حللت وثاقه فلن يستطيع الحركة بسبب إصابة ساقه وإن حاول فرعد سيتكفل به... وجلست أمامه أستمع لقصته .
وانا فى حالة من التشكك المسبق مما سيقوله.... ستوفر على تفاصيل كثيرة مادمت تعرف أننى قد قُتلت إذا فقد روى لك والدى القصة .... لكن ما لا يعرفه أحد أن الجثة لم تكن لى بل لشخص كان يأتى ليشترى منى الخمر وكان يدين لى بالكثير من المال وفى هذه الليلة كنت ثملاً وأجلس بجوار البئر ولمحت الرجل يحاول سرقتى وأخذ الخمر من البئر فأغتظت وقمت اليه وجئت بعصا غليظة وضربته على رأسه من الخلف فسقط على الأرض وكنت فى حالة شديدة من السكر فظللت أضربه حتى هشمت جمجمته تماماً وقد جن جنونى ثم جررت جثته الى هنا وأنا اترنح وأقع ثم أقوم وقد سيطر على جسدى شيئ ما غريب وقوى ذو نزعة قاسية وجلست أكمل شرب الخمر واضحك حتى سقطت فى نوم عميق وعندما أفقت وجدت الجثة بجوارى وتذكرت ما حدث بصعوبة من أثر الخمر ثم بدرت لى فكرة شيطانية ... ألبست الرجل ملابسى ووضعت بها هويتى ليظنوا أننى من قتلت وخصوصا انه ملامحه كانت مطموسة تماما وذدت من تشوه الجثة سكبت على وجهه بعض من حامض الاسيد المركز الذى نستخدمه فى المزرعة ... وقد تكفل تعفن الجثة وتحللها فى طمس المعالم اكثر .... فررت من المكان لفترة طويلة ثم عدت بعد أن تأكدت أننى قد نجوت من عقاب جريمتى وظللت أقيم هنا ... لكن شبحه ظل يطاردنى عندما عدت ... استوقفته شبح من تقصد ؟؟؟ لا توجد اشباح انت من تفتعل كل هذا ؟؟؟ نعم كنت أفتعل الكثير من الأمور كلما أحضر والدى العمال ليقيموا هنا كنت أفعل ما أفعل حتى يبتعدوا وأستطيع العيش بأمان .. لكنه ايضا يطاردنى هذه هى الحقيقة .
أخبرته بأنى لا أصدق بوجود الشبح المزعوم !!! طأطأ رأسه مستسلما قمت من مكانى ورفعته عن الأرض من تحت أبطيه وأجلسته على الكرسى بجوار المنضدة وأحضرت له الماء ليغسل وجهه من الدماء وعندما فرغ هممت بالخروج للذهاب للشيخ وأحضاره لكنه أخذ يتوسل لى ألا أخبر أحداً فظهوره سيجعله متهماً ويلقى به فى السجن أو ينال الموت قصاصا .
كنت فى حيرة شديدة من الأمر فالأنسان عندما يكون فى حالة من الغضب لا يستطيع إتخاذ القرار المناسب فقررت أبقاء الأمور كما هى حتى أتخذ قراراً فى شأنه قدمت له طبق الحلوى الذى أحضرته معى أخذ يأكل منه بشراهة حتى أنهاه وهو يخبرنى أنه كان يشتاق للحلوى التى تصنعها أمه ... سألته عن المكان الذى يختبئ به فأرشدنى لغرفة منزوية فى آخر الاستراحة من الداخل أخذته حيث الغرفة التى يقيم بها لأنه لا يستطيع المشى على قدمه ولا أستطيع أن أبقيه بغرفتى فقد يأتى أحد العمال فى الصباح أو يأتى خالد ليوقظنى وتركته بغرفته ورجعت غرفتى ونمت بعمق وراحة ... فالشبح لا يستطيع التحرك الآن فقد أبرحته ضرباً ...
فى الصباح لم أغلق الغرفة كما أفعل كل يوم وذهبت وأطمأننت على الشبح فوجدته ما يزال نائماً فتركت له بعض الطعام وذهبت الى عملى كنت سعيداً أننى كنت على حق ولم يكن هناك شبح لكنى لا أستطيع أخبار أحد وأنا لم أتخذ قرارى بعد وانتهى اليوم وعدت الى غرفتى أعددت الطعام وذهبت الى غرفة الشبح ليشاركنى طعامى وجدته مستيقظاً وقد تورم وجهه من أثر الضرب وجلست على السرير وبدأنا تناول الطعام ... الغريب انه صارحنى بانه من جعل الماء فى البئر تتحول الى خمر بمعاونة القتيل ... لقد كان الجميع يعرف حلاوة الماء ويأتون إليها من القرى المجاورة .. لكن الشيطان عبث بعقولنا انا وصديقى فاصبحنا نضع المواد التى تساعد فى عملية التخمر ... كنت اقول فى عقلى ان هذا الشخص لعنة لكن قلبى يشفق عليه ... فجأة وجدت رعد ينبح بهياج شديد فأستغربت وخرجت ما الذى يجعله ينبح ولمحت ظلا سريعا ينفلت من آخر الممرعلى ضوء المصباح الخافت لكننى اقنعت نفسى أنه مجرد خداع بصرى وخصوصا الضوء هزيل هنا ... عدت لغرفته ووجدته يسألنى هل رأيته ؟؟؟ ابتسمت وأخبرته لا يوجد شئ .... صمت قليلا ثم طلب منى طلباً لم أكن أتوقعه .... طلب أن أذهب للبئر وأحضر له منها الخمر فنظرت له شذرا وانا احذره الا يطلب منى هذا مرة أخرى وأخبرته أن البئر مغلق لكنه اخبرنى بوجود أناء مربوط بحبل وأنه صنع فجوة فى الغطاء ينزل منها الأناء بالحبل ليملؤه ... نظرت إليه طويلاً : لا تزال تشرب الخمر التى فعلت بك كل هذا.... لن يكون لك ما تريد ومن هذا اليوم لن تشربه ... سوف اسمم البئر ... أخذ يبكى ويتوسل فتركته وذهبت غرفتى لكنه ظل ينادى باسمى فى خوف مما أصابنى بالحيرة أحضرت مصحفى وعدت لغرفته وسألته ماذا يريد وجدته يطلب منى ٱلا أتركه لوحده ... هززت رأسى فى تعجب وجلست على المقعد امام الطاولة أرتل وردى وهو يبكى بنحيب حتى أنتهيت ... ونظرت له فى شفقة وجدته يخبرنى أنه كان يجلس تحت النافذة ليسمعنى وأنا أقرأ ليهرب منه فهو لم يكن يطارده عندها نظرت له بتأفف من أصراره وكذبه ... وأخبرته بعناد صارم أنه من كان يفتعل كل هذا ولا يكرر على مسامعى هذه القصة مرة أخرى ... عرفت لماذا كانت تهدأ الأصوات كنت وقتها تأخذ راحة من إزعاجى ... وكرر طلبه مرة أخرى لا اريد أن أراه وانا فى هذه الحالة فلتحضر لى ما أطلبه من البئر إنه مجرد ماء .... فأخبرته أنى سأضع السم فى البئر غداً حتى لا يقربها مرة أخرى وأخذ يتوسل ألا أفعل فتركته وذهيت غرفتى أحضرت مزلاجا حديدياً بقفل ووضعته على باب غرفته ونافذته وأغلقتهم وقررت حبسه حتى يقلع عن شرب الخمر من البئر ...وهو يصرخ ويتوسل الا افعل هذا ... وذهبت إلى غرفتى لإنام فى هدوء ألقيت بجسدى المنهك فى فراشى ورحت فى سبات عميق لساعات .... لكن أفقت على نباح رعد المتواصل وصرخات عالية تأتى من ناحية غرفته تحركت بحذر الى الخارج شعرت وكأن شيئاً يحوم فى الفناء الخالى من السقف .. أقنعت نفسى انها ربما بومة أو غراب ... انا اعلم انى لن اجد شيئا غير عبث هذا المأفون السكير ... وفتحت باب غرفته ... وفوجئت ... لم أكن أتوقع هذا !!! كيف هذا ؟؟؟ هل ما زلت أحلم ؟؟؟ كان متدليا من السقف رأساً على عقب وقد قيدت قدماه بسلسلة حديدية متصلة بقطعة حديدية بالسقف فى منتصف الغرفة وهو يصرخ من الألم بجنون تسمرت لدقيقة من المفاجأة ... ثم قفزت دون وعى وصعدت على الطاولة وحملته معتمداً ثقله على كتفى وانا أسأله كيف فعل فى نفسه هذا ؟؟؟؟ وهو يبكى ويتوسل أن احرره ... أخذت أنظر للسلسله بتفحص كان بها إحدى العقد المفتوحة والتى تم ربطها بباقى السلسله ... حاولت رفعه أكثر ولكنه كان متعلقاً بعنقى بقوة ... وطلبت منه أن يحاول أن يمد أحدى يديه ليحرر نفسه من السلسلة .... ومد يده ليصل إليها وحاول تحرير نفسه ولكنى فوجئت به ينساب من بين يدى ليأخذنى ونقع سوياً من على الطاولة إلى أرض الغرفة .... اعتدلت سريعاً ووقفت متحفزاً فالأمور تتخذ منحى غريب فيه الكثير من التسآولات !!!! أما هو فقد كان مغشياً عليه فحملته ووضعته على السرير واحضرت بعض الماء أرشه فى وجهه ... أفاق وهو يصرخ .. أمسكت به أطمئنه ... نظر لى طويلاً فى تشتت وطلب منى البقاء معه حتى الصباح ... اشفقت عليه ووافقت ... الغريب بمجرد موافقتى ألقى برأسه وراح فى سبات عميق وأصبحت فى حيرة مما رأيت لا أستطيع أن أكون قد توهمت كل هذا ... وأصبحت أفكر فى أبلاغ الشيخ صالح بالأمر فلن أستطيع مواجهة هذه الحالة وحدى .... لكننى قررت أن أخبره بعد أن يتعافى ولده حتى تصبح فرحته حقيقية بلقائه ولكن كيف وابنه حالة ميؤس منها تماما لكن ما رأيته هو درب من دروب الجنون !!!! .
مر شهر علينا ونحن على نفس الحال أعد له الطعام وارعاه واعالج جروحه حتى تماثل للشفاء واصبحنا نواجه الطرق والقرع على الابواب معا ... هو بالبكاء والعويل وانا بقراءة القرآن فقد كنت أبيت معه كل ليلة وأقرأ وردى ويظل يحدث ما كان فى الماضى الطرقات المتتالية والصخب وأحيانا كان يتعرض للإيذاء بشدة يبدو أن الشبح كان ينتقم منه ... هكذا قال لى .. اكيد أنه ليس من يفتعل هذا ... بل من المستحيل .. ربما أحد أصدقائه يكون قد اتفق معه ليكمل مهمته .... حتى تأكدت بنفسى !!!
كنت فى غرفتى وحدى فى أحد الأيام ورعد كان فى إحدى جولاته المسائية ... كنت اغسل ملابسى المتسخة ... وهو كان فى غرفته ... تحركت إلى فناء الاستراحة حتى اضع ملابسى فى مكان مشمس حتى تجف سريعاً ... وانطلقت صرخة مكتومه من غرفته فلم اعرها اهتماما ظننته ينتحب كعادته وهو يتوسل للشرب من البئر رغم أنى أكدت له أنى وضعت السم فى البئر لكنى لم أفعل هذا خوفاً من موت أحدهم ... لكن سمعت الصرخة مرة أخرى مع طرقات عالية ... وهنا كانت الصدمة والمفاجأة الحقيقية ... تحركت نحو غرفته كان الباب مفتوحاً ما إن وصلت الباب حتى وجدت شخص يولينى ظهره وهو متهلهل الثياب قذر رأسه مشجوجة فى عدة أماكن متفرقة وجروحه متقرحة كان جاثماً عليه يخنقه مطبقاً على عنقه بكلتا يديه .... تسمرت مكانى للحظات لا أدرى هل هو الخوف ام هى المفاجأة ... لكن نظرة احمد نحوى وهو يختنق ويرفع يده نحوى لانقذه دفعتنى للخروج من هذه الحالة وتحركت مسرعاً لكن الشخص الممسك به شعر بوجودى وألتفت نحوى بوجه بشع ممزق متعفن فى بعض أجزائه بخيوط لزجة إثر التحلل متدلية فى شكل مقزز وفكين بأسنان بادية دون لحم او شفاه فقط اسنان سوداء ولثة دامية ... وعيناه غائرتين إحداهما بلا حدقات أو بؤبؤ داخلى ... تسمرت مكانى من الخوف وقلبى ينتفض فى جنبات صدرى وقدمايا لا تستطيع حملى ... اختفى الشبح وكأنه لم يكن هنا بتاتاً وانا سقطت على الأرض فى انهيار وقد تدمر كل ما اعرفه من أمان فى حياتى بعد أن رأيته ... نعم رأيته ... بعينى ... وجها لوجه أو تستطيع القول نصف وجه أو القليل جدا من الوجه .... لم يكن أحد قبلى رآه سألت كل من بالمزرعة فقط هى الطرقات والظلال المتحركة والخيال العابر التى قد تكون جميعها هى محض خداع بصرى يلقيه شعور الخوف فى نفوسنا .... لكن ما رأيته كان حقيقة لا مفر منها ... كنت فى حالة من الرعب والوجوم وهو ينظر لى وهو على فراشه يتحسس رقبته .... لقد قرر الشبح قتل قاتله !!! يا ويحى .. أنا ماذا افعل ؟؟ هل أغادر ولا أعود هنا ؟؟ نظرت له فى ارتباك هل انت تعيش مع هذا الأمر ؟؟ هذا لا يصدق .. بدأ فى وصلة البكاء نهرته بشدة لا توجد لدى قوة تتحمل هذا الآن ... قمت وفحصت رقبته ووجدت اثر من قبضة الشبح على عنقه وقد تحول للون الازرق الخفيف .. إذا الأمر حقيقى ... هو لم يكن يتلاعب بى ... أنا لن استمر فى هذا سأعود لبلدتى واترك كل هذا خلفى ... تركته وذهبت إلى غرفتى وهو ينادى بصوت ملتاع ان ابقى معه لكن لا أجد فى نفسى الشجاعة لمواجهة ما رأيته ... تجاهلته وجلست افكر فيما رأيت والخوف والرعب يقتاتان على روحي ... لن استطيع حتى أن أنام أو يغمض لى جفن .. احضرت مصحفى وجلست على سريرى وظللت أقرأ وابكى حتى شعرت بالراحة النفسية ونمت وانا ممسك بمصحفى ... فى الصباح لم أخرج للعمل وهذا لم يحدث منذ اتيت الى هنا بتاتاً .... ووجدت خالد يوقظنى كان ينادى على وهو يجلس على الفراش بجوارى قمت من نومى فزعا وقفزت وجلا .. تعجب خالد من تصرفى !!! .. لكنى أخبرته أنه مجرد حلم سيئ ... لماذا لم أخبره بما حدث ؟؟ طلبت منه الذهاب وتركى فأنا تعب وأريد النوم ولن استطيع العمل تعجب من حالتى !! ... تركنى وانصرف لكنه كان فى حيرة وتوجس . استيقظت على هزات خفيفة من يد حانية ... كان الشيخ صالح جاء ليطمئن ... اعتدلت وجلست على الفراش وانا فى حيرة هل أخبره بما حدث ؟؟ وظل هو يسألنى إن كنت احتاج طبيباً فسيذهب بى من فوره ؟؟! شكرته ولم انطق بحرف كان عقلى يفكر وتتجاذب الأفكار بعضها بعضاً فى جنون لا أفهم أنا نفسى حالتى ... لكن للأسف لم أخبره بشيئ ... شكرته وطلبت منه اخذ اجازة ليومين .. لم يعارض الرجل لكنه كان فى حيرة من أمرى انصرف وطلب منى الحضور لمنزله إن احتجت شيئ .
تحولت حياتى كلها ... أصبحت خائفاً من كل شيئ ... متوجسا ريبة من كل ما حولى ... أمشى أتلفت حولى فى ترقب .. رعد عندما ينبح انتفض خوفاً .... وقررت الابتعاد عنه مهما حدث وعدم الذهاب لغرفته فكل ما رأيته كان فى هذه الغرفة المشؤومة ... هو تعافى وأصبح يستطيع الحركة فليكن لن يحتاجنى فى شيئ... سأترك كل شيئ واعود لقريتى هكذا قررت لكن يجب أن أخبر الشيخ صالح بما عرفته ورأيته ... لكن لغبائى أخبرته أننى سأخبر والده بكل شيئ وعن جريمته وكل الامور البشعة التى ارتكبها بسبب هذا البئر الملعونه وهذا الشبح الذى أصبح يطارده . وبعدها سأترك المكان وأرحل الى غير رجعة فقد تحطم كل شيئ فى عينى وصار مظللا بالسواد ووجه الشبح لا يفارق عينى
وفى صبيحة اليوم التالى .. خالد ينظر يترقب إلى الاستراحة ينتظر خروجى منها لكن عند الظهيرة بدأ القلق يدب فى نفسه فتحرك نحو الاستراحة ... جاء خالد لأيقاظى لكنه وجدنى مقتولاً فى فراشى مهشم الرأس أنا وكلبى فقد قتلنى شبح بئر العنب هكذا ظن الجميع .
وأخذ خالد ينتحب فوق جثتى ويلوم نفسه أنه تركنى وحدى وعنادى الأحمق وعاد خالد بجثتى فى نعش الى قريتى كنت أرى رحلة العودة .... كما رأيت رحلة الذهاب ... لكن هذه المرة بلا خوف ولا قلق ...
رأيتها بصورة أوضح وبتفاصيل أدق رأيت السيارات تدخل بى حتى المطار وتنطلق الطائرة ... كم جميلة هى السماء ..... ورأيت سيارات أخرى تأخذنى من المطار وتنطلق مسرعة فى رتل يضم العديد منها الى قريتى بالصعيد ...
رأيت نفس الطريق الترابى الصاعد ناحية دارنا فى قريتى وحليمة يمسك يدها أندادى من الأحفاد وهى بظهرها الشديد الأنحناء تحاول اللحاق بنعشى باكية تسأل من حولها غير مصدقة : أحمد ولدى مات يا ولاد ؟؟؟
كانت حليمة حزينه بل أشد الناس حزناً كانت تبكى لكنها لم تكن تصدق فى قرارة نفسها تسألهم : زين الشباب يموت وأنا العجوزة عايشة ليه يا ولاد ؟؟
رأيت أهلى فى نحيب وعويل وبكاء وأبى يسير شارد الذهن وخلفه رجال القرية يسيرون فى صمت مهيب ... وأمى يحيط بها النسوة أحاطة السوار والفتيات والعرائس اللاتى ربما كنت سأكون عريس أحداهن والكل فى صراخ وعويل وأخوتى وأبناء عمومتى وشباب القرية يتناوبون حمل النعش على أكتافهم ...
القرية كلها تسرع الخطى خلفى برجالها ونساءها وشبابها وأطفالها بأحجارها وبيوتها لكن لا الطريق المتربة ولا البيوت لها رائحة ربما الحزن أفقدها عبقها .
عاد جسدى لأدفن بقريتى ... لكننى بقيت هنا لأنتقم منه ورافقت شبح بئر العنب .. جلسنا نتنازع حق الأتنتقام .. هو يريد أن يصنع من حياته جحيماً .. وأنا أريد قتله ..
سممت بئر العنب كما وعدته .... ووجدوه ميتاً ملقى بجوار البئر مسموماً وبيده الأناء المربوط بالحبل .. قتلته بما فعله .. وأختفى بعدها شبح البئر .. فقد حصل هو ايضا على انتقامه
وظللت أنا ورعد نحرس بئر العنب لكى لا يقصدها أحد لكننا لم نكن مزعجين فقط من كانوا يقتربون من البئر من أجل خمرها هم من يعرفوننا .
جميله يافنان مصر انت تبقى شبح شكلك
ردحذفنهاية حزينة
ردحذفلكن حقيقية ومؤلمة كل اللى عاشوا الغربة عايشوا أصعب مما صورته فى الأحداث والمصير فى النهاية شئ من التلاتة عودة وحياة ... غربة للأبد دون عودة ... أو عودة فى نعش
حذف