الحلم رسالة ... أشارة الى شئ نعيشه ولا ندركه لكنه قد يكون طاقة من نور
من السماء وعلى ضوء القمر القرية فى سكونها وظلامها الدامس المخيم
على البيوت التى لا تخلو من ضوء حثيث من لمبة جاز عتيقة وقد بدأ الليل فى إسدال
ستاره الأسود.. وما زال هناك الساهرون حول كانون النار وبراد الشاى الأسود الفاحم
من أثر النار تتصاعد منه الأبخرة معلنة بداية الأمسية .... حقول الذرة الصيفية
تغطى بقعة الأرض كبساط تتمايل مع نسمات الهواء الصيفيى المحملة بلسع الحشرات
ورائحة النباتات .... كان هناك بقعة كأنها طاقة من نور باهر يبدد الظلام فى
بهجة ... والناس قد تجمعوا كفراشات تجمعت وانطلقت باتجاه الضوء من كل صوب
.... كنت أجلس فوق منبر عالى جلسة قراء القرآن المتمكنين من أدواتهم فى
تجويد آياته ... والغريب إنني ارتدى نفس الملابس ... عمامة وجبة وقفطاناً..
وعن يمينى جدى وعن يسارى أبى جالسون بمقاعد مزينة بالأرابيسك من أعلاها
وكأنها خصصت لعلية القوم ... كانوا يجلسون مواجهين للناس الذين يفترشون الأرض على
الحصير الأصفر المصنوع من البوص الرفيع جداً الممتد الى مالا نهاية يتمايلون فى أدب
وإنصات ... وأنطلق صوتى فى مكبرات الصوت عذبا بآيات من القرآن رغم جشاشته فى
الحقيقة ما دفع داخلى الشعور بالغرابة.. هذا ليس صوتى من المؤكد .... كنت غير
منزعج ممن حولى كعادتى عندما أجد عيونا تحدق بى لأى سبب ربما خجلا ... هذا الاطمئنان
ربما لأهتزازى بجسدى كما كنا نفعل بالكتاتيب ونحن نتعلم القرآن ونحن صغار
... وأنطلق صوتى بآية أخرى لكنى أخطئ فى القراءة أو أنسى لا أدرى ما حدث ...
وجدى يصوبنى ملقنا إياى بالآية كلها لكن دون أن ينظر نحوى ... فانا من ينظر نحوه
كمن يستغيث ... فأقرأها مرة أخرى بلا خطأ ... ماذا حل بى؟؟؟ فأنا أحفظ سورة
الكهف جيدا هل يعقل هذا؟؟؟ أنا أتلوها كل يوم جمعة بعد صلاة الفجر !!... أنا
احفظها جيدا هكذا كنت أقول لنفسى ... وأنطلق صوتى خائفا مرتعشاً وأخطأت نعم أخطأت
ونسيت نعم نسيت كلا الأمرين حدث أم حدث أحدهما لا أدرى حقيقة ... وجدى يقرأ على
الآية مرة أخرى.. وأكررها خلفه ... كل مرة ينطلق صوتى يتكرر الأمر.. مرة تلو مرة
وبدأ يتسرب لنفسى إحساسا بالعجز والخوف ... نظرت لوجه أبى ورأيت على وجهه
علامات عدم الرضى والانزعاج ... فأدير وجهى وأنظر الى جدى فأجد وجهه باشا بابتسامته
الصغيرة وعيناه الضاحكتين الدقيقتين ورأسه الأصلع وجلبابه الصعيدى الأسود الأنيق
وقد جلس فى مهابة وجلال ويشير لى بيده أن أستمر فى القراءة وهو يهتز فى تناغم
فيعود لى اطمئنانى ... وأقرأ ويزداد صوتى جمالا وعذوبة هذه المرة كانت قراءتى
دقيقة ملتزمة بأحكام التلاوة ... لكن كيف صار صوتى عذباً هكذا .... وأنظر
الى أبى أتلمس فى وجهه الرضى فلا أجده جالسا فى مجلسه فأرتبك .... وأنظر لجدى فيشير
إلى بيده أن أكمل .... فأقرأ ويصدح صوتى جميلاً لا أعرف كيف؟؟ حتى انتهى من السورة
... والناس يطلقون لفظ الجلالة استحساناً لما سمعوه ... الم تكونوا موجودين من قبل
حين الأخطاء الفادحة ... لا أدرى ... ما دام قبلوا وآثروا النفاق فلن يشغلونى ...
وأنزل عن منبرى متجها لجدى وأجثو على ركبتى وأقبل يديه فيربت على ظهرى ورأسى ويأخذ
بيدى لأقف أقوم واستأذنه متوجها لأبحث عن أبى .... فأجده واقفاً خلفى كعادته عندما
كان يفاجئني بوجوده دون شعورى به .... أقبل يده .... يتبادل ثلاثتنا النظرات لكنى
لا أفهم ... فأنا بينهما حائر
أستيقظ من النوم وأفتح عيناى فأجد ما حولى ظلام دامس
كثيف ثقيل وكأني لم افتح عينى ... أفرك حدقاتها لأتأكد ....
أتسائل فى نفسى أين أنا؟؟؟ ولا أجد فى نفسى حاجة للإجابة!!
وأتحرك كأنى أرى فى الظلام ... يقولون إن العين حين تعتاد الظلام تستطيع الرؤية
رغم كل شيء ... لكننى أرى وكأن الضوء موجود ... ربما ما زلت أحلم ... لا لقد استيقظت
... وأبتسم ... أنا فى شقتى !! لكن ما الذى أنا فيه؟؟؟ ما هذه الحالة
التى أشعر بها؟؟!! ربما لأني اعتدت الشقة وألفتها وألفتنى لعشرون عاماً كاملة فبت
أحفظ كل شبر فيها ... لا ذاكرتى ليست بهذه الدقة.. تخوننى فى أبسط المواقف ... هل
تحولت لخفاش فأصبحت أستطيع الرؤية فى الظلام!!! أزرار الإضاءة لا تعمل ربما عطل
باللوحة الرئيسية... أصل الى الصالة بخطوات رشيقة
وأحاول إضاءة الشقة دون جدوى يبدو أن التيار الكهربى مقطوع كعادته فى أيام الصيف
الحارة .... مهلاً لماذا لا أشعر بالحر؟؟؟!! هل أنا مازلت نائماً؟؟ حيرنى السؤال
من كثرة تكراره!!! ربما مت وأتوهم أننى فى شقتى! أو ربما؟ ربما ماذا لماذا تشغل
نفسك بالتفكير المرير هكذا؟؟ مازالت رائحة موقد البوص فى أنفى
...
يقطع صوت أفكارى آذان يصدح فى السماء... عذب.. هذا صوتى
من الحلم ... لا ليس هو ... انه صوتى من الحلم! .... أنا أميزه تماماً ...
لكن أي صلاة هى؟؟ ... فأنا لا أعرف الوقت هل هو ليل أم نهار!! عندما نمت كانت
الساعة الثالثة صباحاً نظرت لساعة الحائط وجدتها تشير للرابعة إلا ربع هل يعقل إنني
نمت لساعة إلا ربع هذا محال ... خرجت للبلكونة وجدت الظلام ما زال يعانق السماء
إذا هو الفجر لكن كيف؟؟ أحاول التذكر كان الأصدقاء مجتمعون عندى نلعب البوكر
والأستيميشن ... وتضايقت لخسارة كل ما معى من مال ... فتركتهم وقررت النوم.. هل
يعقل أننى نمت ليوم كامل؟؟ هذا هو التخمين الصحيح. لقد نمت ليوم كامل لا يهم.
سيستريح كوب الأرض منى لو نمت لدهر ...
انتزعني من أفكاري رنين الهاتف بغرفتى.. تحركت متثاقلاً
.... كان على الطرف الآخر شريف صديقى يسألنى إذا كنت سأسافر معهم الى الإسكندرية؟؟
ترددت ولكنى تذكرت أننى لا أملك أى أموال: يا عم أنا
خسرت كل اللى معايا فى اللعب .... شريف: يا عم ولا يهمك هاديك الفلوس اللى أنتا
عاوزها السفرية متنفعش من غيرك ... ضحكت ووافقت بالطبع وأغلقت التليفون ... لكن
مهلاً التيار الكهربى ما زال ... ها قد عاد ... آذى الضوء المفاجئ عينى
فأغلقتها.... لماذا أصبح هذا الضوء مبهراً هكذا؟؟ أنا متأكد من أنه كان قبل نومى
شاحباً متهالك من كثرة الأتربة المتراكمة على اللمبة ... فليكن اتجهت للدولاب لأعد
حقيبتى وأخذت حماما دافئا وبدلت ملابسى سريعاً لكن مهلاً.. وأطرقت لماذا لا أصلى
الفجر قبل أن أتحرك ؟؟ كنت فى الفترة الأخيرة من حياتى فى ملهاة حقيقية ...
ملهاة لا مثيل لها .... وكأني عانقت ألف شيطان دفعة واحدة فأصبحت سيدهم وأستاذهم
... لم تكن حياتى هكذا ... متى تبدلت؟؟؟ هذه قصة طويلة من الإحباط واليأس والفشل
لا مجال لها الآن.. ولا فيما بعد أكره رواية هذه القصة تحديداً
..
استقبلت القبلة بشعور غريب وصليت الفجر بشعور ملئ
بالشوق والسكينة ... صليت الفجر ولم أحترق.. أو يحترق أحد الشياطين الذين تلبستهم
..... ضحكت برضى ... لقد صليت
اتجهت لمنزل شريف الذى يبعد عنى بشارع ... وجدتهم واقفين
عند السيارة يضعون الحقائب بشنطة السيارة لكنها لا تتسع لها .... أزحت شريف جانبا
وأفرغت شنطة السيارة وأعدت وضع الحقائب بها وأغلقتها فوجدت شريف يسألنى: عملتها
إزاى دا أنا رابع مرة اعملها ومتاخدش الشنط لا وكمان حطيت شنطتك
!!
ابتسمت : مش عارف المهم ياله بينا
.
حسن : أستنى نشرب سيجارتين الأول أنا محضرهم
.
رديت : ياله قبل الشمس ما تضايقنا فى الطريق
.
وليد : يا عم نشرب عشان منحسش بالسفر والطريق
.
أجبته بحزم : أنا مش هشرب حاجة تانى خالص بطلت
.
كلهم ضحكوا فى استنكار وعدم تصديق لكلامى أنا نفسى لم
أكن أصدق نفسى ... مؤكد شخص آخر هو من قال هذه العبارة شخص كنت هو من زمن ويبدو
انه عاد ... ولم يحترق .
شريف بتعجب واستنكار : أنت متشربش أنت شارب أيه ع الصبح
يا عم .
انا بجدية : دا قرار وخلاص مش هشرب وكمان مش هسافر
.
لا أتذكر متى اتخذت هذا القرار أساساً هناك شيء غريب
يسيطر على عقلى ويتحكم بى لكنه شيء محبب لى انه أنا ..
فتحت شنطة السيارة وأخذت حقيبتى لكن شريف أمسك بيدى :
متنفعش من غيرك يا صاحبى يا عم خلاص أنت مش عاوز تشرب براحتك مع انى أشك وضحك
وقالهم : ياله هنشرب وأحنا ع الطريق وسبوه براحته .
أمسكت بيده بيدى الأخرى وضممته مودعاً وفعلت مع الجميع
نفس الشئ وليد ثم خالد ثم حسن وهم فى ذهول من تصرفاتى أنا رئيس قسم الرذيلة كما
يطلقون على .. كيف ومتى حدث هذا؟؟؟ ... هذا جنونى
الأدهى أنى أريدهم أيضا مثلى ؟؟؟ أنا الذى يعيش أما خدرا
بكل أنواع المخدرات حتى أصبحت لا تؤثر فى اتزانى وكأنها لا شيء ... أو مخمورا فى
أحدى البارات الليلية المنزوية أو أي من الملاهى الليلية اللامعة أى مكان
فيه شياطين وأبالسة أكون فى مقعد الصدارة وتقرع من أجلى الموسيقى بالسلام عند
دخولى أى مكان أنا الزبون المستديم لديهم أنا الشيطان القائد .
وليد ضاحكا وأنا أحتضنه : أنت هتموت ولا إيه أرجع
لطبيعتك يا صلاح .
أنا : ما هى دى طبيعتى اللى كنت بعمله هوا اللى مش
طبيعتى ياله سلام .
وقفوا فى ذهول يرمقوننى وانا أسير ويضربون كفاً بكف
تركتهم وعدت ... لماذا عدت؟؟ لا أدرى؟؟؟
عدت لشقتى أعددت كوبا من الشاى وجلست أناقش هذا الضمير
الذى استيقظ توا من غيبوبته الطويلة .... ما الذى عاد بك؟؟
الضمير : عدت فانا لم امت بعد .
أنا : كنت مستريح بدونك ..
الضمير : كنت واهم
أنا : كنت قوى بدونك
الضمير : كنت حيوان بدونى
أنا : لا تتصنع الفضيلة لقد اكتفيت منك هذه الدنيا لا
تحتاجك
الضمير : الدنيا لا تحتاج غيرى هذه فطرتها
أنا : عدنا الى هرائك المقيت ومثاليتك وأخلاقك التى لا
طائل منها
الضمير : عدت الى الحقيقة هكذا هى الحقيقة مؤلمة
قذفته بكوب الشاى الذى لم أفرغ منه : فلترحل
أخذت أدور فى الشقة أنظفها كنت كالمحموم ... وكانت
الأوساخ فى كل مكان والعناكب نسجت خيوطها فى كل ركن من المكان ... لم اكن أراها
..
الضمير: لأنك كنت أعمى ... رمقته بنظرة متحدية وهو لا
يتراجع وانا لا أستطيع التراجع أبداً
قطع لحظة التحدى رنين الهاتف المزعج .... انسحبت للغرفة
كانت أمى على الطرف الآخر تطمئن على أحوالي والغريب أنها طوال المكالمه وهى تكرر:
مالك فيك إيه .... غريب أحساس الأم تكون بعيدا عنها آلاف الأميال لكنها تشعر بك من
صوتك حتى من دون أن تتكلم بلا ادنى مبالغة.
طمأنتها وقصصت عليها حلمى وهى تترحم على والدى وجدى...
وشردت أمى قليلا شعرت بهذا وكأنها صمتت للحظات حداداً على الموتى من حلمى ثم اتبعت
: خير إن شاء الله يا ابنى. ودعتنى مع دعواتها الجميلة التى أشعرتنى بالراحة
والسكينة وأنهيت المكالمة
اذا ما دمت وحدى ولا شيء افعله وما زلت مفلساً كبيراً
سأخرج لأتمشى وانطلقت وحدى تأخذنى الأفكار ساهما كان الجميع يتحاشانى الجيران فى
الشارع والمنزل فانا وغد له لسان كسوط يجلد من يتحداه ... ويد تبطش كيفما تريد ..
كنت ألقى السلام ولا أحد يجيب ... فليكن ... انكمشت على نفسى وأنا فى مشيتى
الرتيبة وقررت التقوقع على نفسى وظللت هائما من درب الى درب .. ومن زقاق الى زقاق
... حتى تلاشى كل ما حولى ... أختفى البشر ... واختفت الطرقات ... اختفت ملامح
الدنيا ... السيارات.. اللوحات الإعلانية ... ضجيج الشوارع أصبح سكوناً.. ولم يبقى
شيء.. ألمح طفلاً يعدو فجأة أمامى ... أتفحص ملامحه.. انه أنا.. أنا طفل شقى يلعب
مع أقرانه ... تدور حياتى كلها فى رأسى من طفولتى بكل تفاصيلها أراها وأنظر إليها
وكأنى أنظر إليها من السماء وروحى وكأنها خرجت من ظلام الدنيا المكبلة فيه
بالرغبات والشهوات .... بالخداع والزيف إلى طريق ليس فيه غير طاقة من نور ... وانا
أسعى إليها حثيثا بكل قوتى أعدو نحوها بقدمى الصغيرة وانا طفل لتتحول الى أكبر
قليلا وانا صبى ثم فتى ثم شاباً أحاول إدراكها مصوباً نظرى تجاهها لا شيء غيرها
... تحولت الى فراشة عشقت النور فضمته واستكانت
رنين الهاتف يزعجنى بجوار سريرى أفتح عيناى وأرد على
التليفون وانتفض من رقادى وأغلق الهاتف ودموعى تبلل الفراش لقد مات أصدقائي فى
حادث بالسيارة وهم فى طريقهم للإسكندرية مساءا.
وأتسائل هل ما زلت نائم أحلم؟!!! أحاول تذكر تفاصيل
الحلم لكنى لا أتذكر شيئا ... أكيد إنني أحلم .. أعتصر عقلى ليتذكر
... كل ما تذكرته كان طاقة من نور

جميلللللللللللللة جدااااااااااااااااااااا محتاجين طاقة نور كلنا
ردحذفسلمت يداك
ردحذفتسلم ايدك جميلة جدا
ردحذف